تشرق الشمس كل يوم إيذانًا بميلاد يوم جديد على كل مُدن العالم بشكل طبيعي لا يشوبه أي شك، إلا أنني متأكد بأن شروق شمس اليوم الجديد على مدينتنا يختلف عن أي مدينة أخرى.
نحن لا نقضي الليل نستمع للموسيقى الكلاسيكية داخل أحد المطاعم على ضوء الشموع ولا نُشاهد فيلمًا ساخرًا ونحن نجلس بصحبة أفراد عائلتنا على الأريكة، في الحقيقة ليلتنا تختلف عن الجميع.. نحن لا نسمع شيئًا سوى صوت الانفجارات واحدًا تلو الأخرى وصوت تدمير المباني، وفي بعض الأحيان نرى مصدر ضوء هائل أو خافت حينها نعلم بأن هناك حريقًا اندلع في مكان ما...
شروق الشمس يعني بالنسبة إلينا البدء في رحلة جديدة من البحث، وصدقني حينما أقول لك بأنه البحث في معناه المُطلق.. نبحث عن المنازل والمباني التي تم قصفها وكم فقدنا اليوم من أفراد العائلة أو الأصدقاء أو الجيران.. تستمر رحلة بحثنا لعلنا نجد القليل من الطعام وقليل من الماء يروي ظمأنا ولو تحملنا نحن فعلينا أن نجد ما يجعل الأطفال يرتوون.
بالأمس وجدت أن لدي سيجارة واحدة وهذا شيء عظيم لمن هم في مثل حياتنا تلك، كم تمنيت قليلًا من البن لأرتشف فنجال قهوتي.. قديمًا كنت شابًا يافعًا يرتدي أفضل ما لديه ويذهب إلى إحدى المقاهي يرتشف قهوته على نغمات فيروز أو أم كلثوم ويظل يُدخن حتى يشعر بأن رأسه بدأ في استيعاب الأشياء من حوله! والأن يكفي أن استيقظ لأجد نفسي ما زلت على قيد الحياة.
بالأمس طلبت مني جارتي المُسنة بأن أذهب وأتي لها بقليل من القمح لعلها تخبز شيئًا تقضي به على جنود الجوع التي تزحف داخل جسدها، وذهبت بالفعل لمكان الإعانات لأجد مئات الأطفال ينتظرون.. اللعنة على هذا الموقف الذي يجعل العقل يُفكر أيهما يستحق الحياة من في بدايتها أو من هو على مشارف النهاية!
رحلت مترددًا مُتمنيًا من الله أن تُدرك جارتي بأنني قد غفلت عن طلبها، وحينما ذهبت إلى الشباب رأيتهم يفكرون فيما هو الحل الأن، الصمت يعلوا شفاه الجميع وفقط هي النظرات التي تحمل الكثير من الخوف والعجز.. الأن تختفي الشمس ويبدأ الليل في اقتحام حياتنا، وعلينا الآن انتظار القصف الجديد لتُشرق شمس يوم جديد ولا نعلم من سيكون الضحية القادمة.