تُعتبر العلاقة بين التشريع والريع في المغرب إحدى الإشكاليات البنيوية التي تؤثر بعمق على مختلف الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. تعكس هذه العلاقة، بشكل واضح، كيف يمكن أن يتحول التشريع من أداة لتنظيم العلاقات الاجتماعية وتحقيق العدالة إلى وسيلة لإعادة توزيع الريع بطرق غير عادلة، مما يُكرِّس الامتيازات لفئات محددة على حساب المصلحة العامة.
وينبغي أن يكون التشريع، في أصله، أداة لتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وأن تسعى القوانين لتحقيق الإنصاف والعدالة الاجتماعية. إلا أن هذه الغايات النبيلة أصبحت، مع الأسف، في كثير من الأحيان تُستغل لتعزيز منظومة الريع الاقتصادي، خصوصًا في السنوات الأخيرة.
ويُعرَّف الريع، وفق الموسوعات العلمية والاقتصادية، بأنه دخل لا يتأتى من العمل أو الإنتاج، بل من الاحتكار بمختلف أشكاله: احتكار الملكية، أو المعرفة، أو الموقع، أو النفوذ. كما يرتبط الريع بالنظم الاقتصادية التي تقوم على سلطة استبدادية أو علاقات زبونية تسعى لتعزيز النفوذ بعيدًا عن إطار القانون أو المعايير الاقتصادية الموضوعية. وبهذا المعنى، يُشير الريع أيضًا إلى الدخل الناتج عن استغلال الظروف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية المحيطة، دون ارتباطه بأي نشاط إنتاجي أو تجاري فعّال.
من منظور العديد من علماء الاقتصاد السياسي، يُعتبر المجتمع الريعي مجتمعًا هشًا وقابلًا للانهيار بسهولة، بل إنه نموذج اقتصادي استثنائي ومؤقت لا يملك مقومات الاستدامة. يُفضي هذا النموذج عادة إلى ظهور قطاع خاص طفيلي يعتمد على الزبونية واستغلال النفوذ لتحقيق أرباحه، مما يؤدي إلى تراكم الثروات بطرق غير مشروعة. ويرى بعض المفكرين أن اقتصادات الريع كانت، وما زالت، مصدرًا للعديد من الأزمات في المجتمعات، نظرًا لتفاقم الفوارق الاجتماعية وتكدس الثروات في أيدي فئات محدودة تحتكر الثروة والسلطة معًا.
ويعتمد اقتصاد الريع، في جوهره، على منح الامتيازات بشكل غير شفاف، مثل تراخيص استغلال الموارد الطبيعية (كالمقالع والمناجم)، ورخص الصيد البحري، وإعانات مالية للمشاريع الخاصة، وحماية منتجات معينة عبر سياسات تجارية تفتقر إلى المنافسة والكفاءة الاقتصادية. وتتفاقم خطورة الريع عند تداخله مع الفساد المالي والسياسي أو سوء إدارة المال العام، حيث يكتسب الريع طابعًا قانونيًا تحت مظلة تشريعات وقوانين تخدم هذه الممارسات بدلًا من محاربتها.
تاريخيًا، يعود ظهور اقتصاد الريع في المغرب إلى عشرينيات القرن الماضي، حينما أرست إدارة المقيم العام الفرنسي، الجنرال ليوطي، أسسه كأداة لدعم الاستعمار وتمكين سلطته. في تلك الحقبة، مُنحت الامتيازات الريعية للمستعمرين الأوروبيين بهدف توفير الدعم اللوجستي، التربوي، العلمي، الفني، العسكري، الزراعي، والاقتصادي لتحقيق الأهداف السياسية للإدارة الاستعمارية. وفي السنوات اللاحقة، وُجهت هذه الامتيازات إلى حلفاء النظام الاستعماري من المغاربة، مثل شيوخ القبائل، وكبار رجال الدين، وشيوخ الطرق الصوفية، إلى جانب رموز المخزن مثل القواد، والباشوات، والموظفين الكبار، والتجار، وبعض المثقفين وأعيان العائلات التقليدية، مقابل ولائهم ودعمهم السياسي غير المشروط.
ساهمت هذه السياسة في خلق طبقة اجتماعية جديدة من الأثرياء المحليين الذين راكموا ثروات هائلة دون بذل جهد يُذكر سوى تقديمهم خدمات للنظام الاستعماري، بما في ذلك النفوذ القبلي أو العائلي أو السياسي. ولقد شكّل الريع حينها الثمن الذي دفعته إدارة الحماية للموالين المغاربة والمستعمرين الفرنسيين مقابل مساعدتهم في فرض السيطرة على القبائل والمدن، وإخضاع القوى المعارضة بوسائل متعددة، منها القمع العسكري.
مع حصول المغرب على الاستقلال، استمرت هذه البنيات الاقتصادية والاجتماعية التي أسسها الاستعمار، مما أدى إلى إعادة إنتاج ثقافة الريع. مع هيمنة السلطة السياسية والاجتماعية للمخزن، وفي ظل غياب طبقة برجوازية وطنية تمتلك المعرفة ورؤوس الأموال، تم تشكيل نخبة جديدة من كبار موظفي الدولة، وضباط الجيش والشرطة، وزعماء الأحزاب السياسية. وُضِع هؤلاء في مواقع اقتصادية استراتيجية مكنتهم من جني أرباح هائلة دون أي عناء، من خلال حصولهم على امتيازات مثل الأراضي الزراعية، ورخص النقل والصيد، واستغلال المقالع والمناجم مجانًا. ولقد أدى ذلك إلى تحولهم السريع إلى أثرياء بارزين في مجالات التجارة، والصناعة، والسياحة، والعقار، والزراعة.
مكنت هذه الامتيازات العديد من الأفراد المقربين من مراكز القرار أو السلطة من مراكمة ثروات ضخمة. استخدم البعض هذه الثروات لتأسيس شركات تجارية أو صناعية، بينما استثمر آخرون في إنشاء ضيعات زراعية، أو أحزاب سياسية، أو جمعيات تعمل على دعم النظام الذي منحهم هذه الامتيازات. وبذلك، أصبحت ثقافة الريع ركيزة أساسية للهيمنة الاقتصادية والاجتماعية في المغرب.
عند تولي حكومة عبد الإله بنكيران السلطة، أعلنت أن برنامجها الإصلاحي يضع على رأس أولوياته معالجة إشكالية اقتصاد الريع، الذي يشكل عائقًا كبيرًا أمام أي إصلاح ديمقراطي أو سياسي. وفي الأشهر الأولى من عملها، قامت الحكومة بنشر لائحة المستفيدين من رخص النقل عبر الحافلات، والتي أظهرت استحواذ فئة من المحظوظين واللوبيات المقربة من السلطة على هذه الامتيازات. كما تم الإعلان عن بعض رخص استغلال مقالع الرمال.
ورغم هذا الإعلان، انتظر الشعب المغربي نشر قوائم تشمل باقي الرخص المتعلقة باستغلال الأراضي الزراعية، ومقالع الأحجار، والمناجم، ورخص الصيد في أعالي البحار، وغيرها من أدوات اقتصاد الريع. إلا أن الحكومة لم تستمر في هذا المسار، وأغلقت الملف بشكل مفاجئ، مما أعاد حالة الصمت حول أحد أبرز جوانب الفساد في المغرب. استُبدِل الحديث عن هذا الملف بقضايا أخرى لا تمت للإصلاح أو الديمقراطية بصلة، تحت شعار “عفا الله عما سلف”. وهكذا بدا الموضوع أعقد من قدرة حكومة حزب العدالة والتنمية على معالجته.
أما في السنوات الأخيرة، فقد تفاقمت ظاهرة الريع وأصبحت رمزًا بارزًا للفساد في المغرب. والأمر الأكثر خطورة هو استغلال بعض السياسيين والانتهازيين لوسائل غير نزيهة، مثل شراء الأصوات وزواج السلطة بالمال، للوصول إلى البرلمان واستخدام الأداة التشريعية لمأسسة الريع. ومن أبرز مظاهر الريع في المغرب نذكر ما يلي:
قطاع المحروقات وعزيز أخنوش
يُواجه عزيز أخنوش، رجل الأعمال البارز ورئيس الحكومة المغربية الحالي، اتهامات متزايدة بتضارب المصالح بين دوره السياسي ومصالحه الاقتصادية، كمالك لمجموعة “أكوا” التي تضم شركات متعددة، أبرزها “أفريقيا غاز”، أحد أكبر الفاعلين في سوق المحروقات بالمغرب. يجد أخنوش نفسه في قلب جدل يتعلق باستغلال منصبه السياسي لتعزيز مصالحه التجارية.
وبرزت الانتقادات بشكل واضح خلال فترة تحرير أسعار المحروقات، إذ أظهرت تقارير أن شركات القطاع، وعلى رأسها “أفريقيا غاز”، حققت أرباحًا غير مسبوقة تجاوزت 8 مليارات درهم سنويًا، وفق تقديرات الخبراء. هذا الوضع أدى إلى تحميل الحكومة مسؤولية فشلها في كبح جماح الأسعار، مما زاد من معاناة المواطنين في ظل موجة غلاء أثرت سلبًا على القدرة الشرائية.
وقد أدت هذه السياسات إلى موجة من الاحتجاجات في مختلف المدن المغربية، حيث طالب المتظاهرون بتخفيض أسعار المحروقات وتحقيق الشفافية في إدارة الموارد. كما عبّر المواطنون عن مخاوفهم من أن تكون السياسات الحكومية منحازة لمصالح الشركات الكبرى، وخاصة تلك المملوكة لرئيس الحكومة، على حساب الصالح العام.
وفي محاولة للرد على الانتقادات، أعلن أخنوش عن نقل إدارة شركاته إلى جهات أخرى لتجنب تضارب المصالح، إضافة إلى إنشاء لجان حكومية لمراقبة النزاهة في اتخاذ القرارات الاقتصادية. ومع ذلك، تظل هذه الإجراءات موضع شك بسبب غياب تأثير ملموس على حياة المواطنين.
ويُعد قطاع المحروقات أحد أبرز الأمثلة على تضارب المصالح، كما أنه يسلط الضوء على التحديات المرتبطة بتداخل المال والسياسة. فارتفاع أسعار الوقود بشكل مستمر أثار تساؤلات حول دور الشركات الكبرى في استغلال تحرير السوق لتحقيق أرباح إضافية، وما إذا كانت السياسات الحكومية تسهم بشكل مباشر أو غير مباشر في تعزيز هذا الوضع.
رخص استغلال الثروات الطبيعية
تشير العديد من التقارير والاتهامات إلى أن بعض البرلمانيين والمسؤولين يستغلون مناصبهم ونفوذهم للحصول على تراخيص لاستغلال الثروات الطبيعية، مثل تراخيص المقالع أو رخص الصيد البحري. ويُلاحظ أن هذه العمليات تتم في كثير من الأحيان دون الاعتماد على معايير واضحة أو شفافة. على سبيل المثال، هناك حالات يتم فيها منح تراخيص استغلال المقالع الرملية لشركات يملكها مسؤولون أو أقاربهم، دون الالتفات إلى المعايير البيئية أو القوانين المنظمة.
كما تُثار الشكوك حول توزيع رخص الصيد البحري في المناطق الغنية بالثروة السمكية، حيث تُمنح أحيانًا لأطراف نافذة دون إعطاء فرصة للصيادين المحليين الذين يعتمدون على هذه الموارد كمصدر رزق رئيسي. مثل هذه الممارسات تؤدي إلى تركز الثروة في أيدي فئة قليلة، وتزيد من الإحساس بعدم العدالة الاجتماعية والاقتصادية. ويمكن أيضًا أن يساهم الافتقار إلى الشفافية في توزيع هذه التراخيص في تدمير البيئة واستنزاف الموارد الطبيعية، نتيجة غياب الرقابة أو تطبيق القوانين بشكل انتقائي.
المضاربة في العقار
تُعتبر المضاربة في العقار من القضايا المثيرة للجدل، حيث تُوجه اتهامات لمسؤولين وبرلمانيين بالتورط في عمليات شراء وبيع الأراضي والعقارات بأساليب تثير الكثير من الشبهات، خاصة فيما يتعلق بالأراضي السلالية. وتُعرف هذه الأراضي بأنها ملك جماعي يُفترض أن تُدار لصالح الجماعات السلالية التي تعتمد عليها كمصدر رزق أساسي. إلا أن واقع الحال يكشف عن استغلالها في مشاريع استثمارية ضخمة تدر أرباحًا طائلة للمضاربين، دون تحقيق فوائد تُذكر للسكان الأصليين.
على سبيل المثال، يتم في بعض الحالات شراء أراضٍ سلالية من الجماعات بثمن زهيد بحجة إنشاء مشاريع تنموية، ليتفاجأ السكان لاحقًا بتحويلها إلى مشاريع عقارية فاخرة أو مراكز تجارية ضخمة، مما يزيد من قيمتها العقارية بشكل كبير. وفي كثير من الأحيان، يُتهم المسؤولون باستخدام نفوذهم لتغيير تصنيف هذه الأراضي من زراعية إلى عقارية، مما يُضاعف من قيمتها ويتيح لهم تحقيق أرباح طائلة على حساب الحقوق التاريخية للجماعات السلالية ولذوي الحقوق.
ومن الأمثلة أيضًا بعض المشاريع السياحية أو السكنية الفاخرة التي تُقام على أراضٍ كان يُفترض أن تُخصص لإنشاء بنى تحتية أو خدمات اجتماعية، مثل المدارس أو المستشفيات، مما يساهم في تفاقم التهميش الاجتماعي للسكان المحيطين بها. هذه الممارسات تؤدي إلى تعزيز الإحساس بالغبن وعدم العدالة، حيث تبقى المجتمعات المحلية محرومة من الاستفادة من هذه المشاريع أو عوائدها.
الصفقات العمومية: جدل الشفافية وتضارب المصالح
يُثار جدل واسع في المغرب حول الشفافية والعدالة في منح الصفقات العمومية، لا سيما في ظل تداخل المصالح الاقتصادية والسياسية لبعض المسؤولين. ومن بين أبرز الأمثلة، فوز مجموعة “أكوا”، المملوكة لرئيس الحكومة عزيز أخنوش، بصفقة إنشاء محطة لتحلية مياه البحر في الدار البيضاء. هذا المشروع، الذي يُعد الأكبر من نوعه في إفريقيا بطاقة إنتاجية تصل إلى 548 ألف متر مكعب يوميًا، أثار تساؤلات حول تضارب المصالح وإمكانية الفصل بين دوره الحكومي ومصالحه الاقتصادية.
وتُعتبر الصفقة، التي قُدّرت تكلفتها بحوالي 800 مليون يورو، ثمرة شراكة بين شركتي “أفريقيا غاز” و”ڭرين أوف أفريكا”، التابعتين لمجموعة “أكوا”، والشركة الإسبانية “أكسيونا”. وقد دافع عزيز أخنوش عن العملية، مؤكدًا أن الصفقة تمت وفق معايير المنافسة الشفافة، وأن مجموعته قدمت أقل العروض المالية بين الشركات المتنافسة. كما شدد أخنوش، خلال جلسة المساءلة الشهرية بمجلس النواب، على أن المشروع يستجيب لمتطلبات السوق العالمية بأسعار تنافسية، مع الالتزام بالقوانين المنظمة للصفقات العمومية.
ورغم تأكيدات رئيس الحكومة بغياب أي خروقات أو استغلال للنفوذ، أثارت الصفقة موجة انتقادات سياسية وإعلامية. حيث يرى المنتقدون أن فوز مجموعة “أكوا” يعكس تضاربًا واضحًا للمصالح، إذ يجمع أخنوش بين مسؤولياته كرئيس للحكومة ومصالحه الاقتصادية في مجموعة تمتلك حصة رئيسية في الصفقة. وقد اعتبرت هذه الأطراف أن الوضع يطرح تساؤلات أخلاقية حول إمكانية تحقيق الشفافية في مثل هذه المشاريع الحيوية.
وعلى الرغم من وجود قوانين تهدف إلى تنظيم تضارب المصالح وضمان الشفافية، يرى البعض أن تطبيق هذه القوانين ما زال يواجه تحديات كبيرة. وفي هذا السياق، تطالب العديد من الأطراف السياسية والمجتمعية بتعزيز آليات الرقابة لضمان نزاهة منح الصفقات العمومية، مع ضرورة إنشاء هيئات مستقلة لمراقبة مدى الالتزام بالمعايير القانونية.
وتُعد صفقة محطة تحلية مياه البحر اختبارًا هامًا لقدرة الحكومة على التوفيق بين مصالحها الوطنية ومقتضيات المساءلة القانونية. ويبقى تعزيز الشفافية وآليات الرقابة، في ظل الانتقادات المتزايدة، ضرورة ملحة لتجنب تضارب المصالح وضمان حسن تدبير المشاريع الوطنية الكبرى بما يلبي تطلعات المواطنين في العدل والإنصاف.
فضيحة تخفيض رسوم استيراد العسل
وجهت بعض أحزاب المعارضة، في الآونة الأخيرة، انتقادات شديدة اتهمت فيها الأغلبية بسن تخفيض في رسوم استيراد العسل لفائدة برلماني من الأغلبية، محذرة من أن يكون التشريع على المقاس وللخواص ولصالح فئة من البرلمانيين وأصحاب المصالح، مما يجعل منه تشريعًا يخدم الريع. ويتعلق الأمر في هذا السياق بتشريع خطير جدًا أتت به الأغلبية ولم يكن مبرمجًا في قانون المالية، يدعو إلى تخفيض رسم استيراد العسل من 40% إلى 2.5%. واستنكرت هذه الأحزاب، وخصوصًا حزب العدالة والتنمية، هذا الإجراء، داعية إلى حماية المنتوج المحلي بدل محاولة قتله. واعتبرت أن هذا الإجراء يمثل تهديدًا للمنتج المحلي ولمربي النحل، كما يُعد مثالًا واضحًا للتشريع الموجه لخدمة مصالح خاصة.
وتفيد الإشارة في هذا السياق إلى أن الاسم الرائج للاستفادة من هذا التخفيض الضريبي هو اسم أحد البرلمانيين، وأن النسبة الغالبة لعملية الاستيراد تستوردها عائلته. إذن، فهذا مثال صارخ للتشريع من أجل الريع، وأكبر منكر. وهو ما يثير شكوكًا حول وجود علاقة بين هذا التشريع والمصالح الخاصة.
انعكاسات التشريع الريعي
للتشريع الريعي انعكاسات سلبية ووخيمة على الاقتصاد الوطني. على سبيل المثال، لا يمثل تخفيض رسوم استيراد العسل تهديدًا فقط لمربي النحل في المغرب، ولكنه يعكس أيضًا كيف يمكن للتشريع أن يصبح أداة لقتل الإنتاج الوطني. يؤدي هذا الإجراء إلى:
- إضعاف الفئات المنتجة: يُعرض المنتجون المحليون لمنافسة غير عادلة مع منتجات مستوردة أرخص، مما يهدد مصدر رزقهم.
- استنزاف الموارد الوطنية: يتم دعم الاستيراد على حساب تطوير الثروات المحلية.
- تشجيع الفساد والمحسوبية: يتم تخصيص التشريعات لفائدة أفراد أو مجموعات بعينها على حساب المصلحة العامة.
خــــاتمة:
وتأسيسًا على ما ورد ذكره، يبقى واردًا أن نقول: يُعد استغلال التشريع لتحقيق مصالح شخصية من أكبر التحديات التي تواجه مسار الديمقراطية في المغرب. حيث إن هذه الظاهرة لا تؤثر فقط على مصداقية المؤسسات المنتخبة، بل تهدد أيضًا الثقة التي يُفترض أن تربط المواطنين بهذه المؤسسات. ويؤدي استغلال التشريع لخدمة مصالح فئوية أو شخصية إلى تكريس الفوارق الاجتماعية والاقتصادية، ويُعطل التنمية الشاملة التي تحتاجها البلاد لتلبية تطلعات المواطنين.
تتطلب معالجة هذه الظاهرة إرادة سياسية حازمة تتجاوز الشعارات إلى تنفيذ إجراءات ملموسة تُترجم الالتزام الحقيقي بمبادئ الشفافية والنزاهة. ومن بين هذه الإجراءات ضرورة تعزيز آليات الرقابة والمساءلة على جميع المستويات، سواء داخل المؤسسات التشريعية أو التنفيذية. كما يجب العمل على إنشاء هيئات مستقلة وقوية ذات صلاحيات فعلية لضمان مراقبة تنفيذ التشريعات بما يحقق المصلحة العامة.
علاوة على ذلك، ينبغي التركيز على تحديث الإطار القانوني والتشريعي ليُصبح أكثر مقاومة لاستغلال النفوذ. ويمكن تحقيق ذلك من خلال وضع ضوابط صارمة تمنع تضارب المصالح، وضمان الإعلان عن تفاصيل الثروات والمصالح المالية للمسؤولين بشكل دوري. كما يجب تعزيز دور المجتمع المدني والإعلام المستقل في فضح التجاوزات وضمان تفعيل الرقابة المجتمعية على أداء المؤسسات.
إن إصلاح المنظومة التشريعية لتكون أداة لتحقيق العدالة والتنمية وليس تكريس الريع يتطلب أيضًا تغيير الثقافة السياسية والاجتماعية السائدة التي تقبل بممارسات الريع وكأنها أمر واقع. هذه الخطوة تبدأ بتعزيز الوعي المجتمعي بضرورة المطالبة بالحقوق ومساءلة من يمثلونهم في البرلمان أو الحكومة. وفي هذا السياق، يلعب الشباب دورًا حاسمًا، حيث يمثلون الأمل في تغيير هذه المعادلة من خلال المشاركة الفعالة في الحياة السياسية، سواء عبر الانخراط في الأحزاب السياسية أو من خلال العمل المدني والنضالي للمطالبة بإصلاحات حقيقية.
في النهاية، لا يمكن بناء ديمقراطية حقيقية أو تحقيق تنمية مستدامة دون مواجهة هذه التحديات بشجاعة وشفافية. إن نجاح هذه الجهود يتوقف على توفر إرادة سياسية صادقة، وتضافر جهود المؤسسات والمجتمع، والعمل بروح المسؤولية الجماعية لإرساء أسس دولة القانون والمؤسسات التي تضمن العدالة الاجتماعية وتحقق تطلعات جميع المغاربة في حياة كريمة ومستقبل أفضل.