شهد عام 2024 زخمًا في الأبحاث الجزائرية في قطاع الطاقة، في ظل ما تتمتع به البلاد من موارد طبيعية هائلة لإنتاج الكهرباء النظيفة، وأهداف طموحة يغذّيها قرب البلاد الجغرافي من الأسواق الأوروبية.
كما تتبنّى الجزائر إستراتيجية وطنية لتعزيز أجندة تحول الطاقة من خلال تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، ورفع إسهامات الطاقة المتجددة في إجمالي مزيج الكهرباء إلى 22% بحلول عام 2030.
وتعتمد البلاد على قطاع الطاقة لتعزيز خطط مواجهة التحديات المناخية المتزايدة، والحد من آثارها في البيئة والاقتصاد من خلال التوسع في مشروعات الطاقة الشمسية.
وفي هذا التقرير، تسلّط منصة الطاقة المتخصصة الضوء على 3 من أبرز الأبحاث الجزائرية في قطاع الطاقة خلال عام 2024، وهي أبحاث تنوّعت ما بين:
- تقنيات جديدة لتعزيز كفاءة الطاقة في المباني من خلال استعمال مواد محلية.
- ابتكار جدران نباتية وحوائط عازلة لخفض الانبعاثات الكربونية.
- دراسة لقياس الإشعاع الشمسي في الصحراء الكبرى لدعم التوسع في مشروعات الطاقة النظيفة في البلاد.
1- تعزيز كفاءة الطاقة في المباني:
ضمن أبرز الأبحاث الجزائرية في قطاع الطاقة، ابتكرت الباحثة في الطاقات المتجددة لدى المركز الوطني للدراسات والأبحاث المتكاملة للبناء في الجزائر (CNERIB) ومعهد جوزيف ستيفان للبحث العلمي في سلوفينيا، ماجدة موايسي، مادة من نفايات مخلّفات الزيتون لاستعمالها في صناعة الجدران العازلة حراريًا؛ من أجل تعزيز كفاءة الطاقة في المباني مع تحقيق الجدوى الاقتصادية المطلوبة.
وأطلقت الباحثة على هذه التقنية اسم "إيزوغرين"، مشيرة إلى أن فكرتها تقدّم حلًا بيئيًا واقتصاديًا يُسهم في تعزيز كفاءة الطاقة في المباني من خلال الاستفادة من النفايات العضوية المتاحة محليًا.
وأوضحت الباحثة الجزائرية -في تصريحات خاصة إلى منصة الطاقة المتخصصة- أنها طوّرت المادة العازلة بمشاركة المركز الوطني للدراسات والأبحاث المتكاملة للبناء في الجزائر (CNERIB)، حيث أجرت عمليات التركيب والاختبار الأولي للمادة في المختبرات الوطنية لتعزيز الخصائص الفنية والتأكد من أدائها.
ثم أجرت سلسلة من الاختبارات العلمية المتقدمة، بالتعاون مع معهد جوزيف ستيفان في سلوفينيا، شملت دراسة الخصائص الفيزيائية والميكانيكية والكيميائية لمزيج المادة الخام والتراكيب المبتكرة.
ولفتت إلى أن هذه الاختبارات تضمّنت تقنيات تحليل حراري-جراڤيمي (TGMS)، والأشعة السينية (XRD)، والتحليل الطيفي بالأشعة تحت الحمراء (FTIR)، ودراسة التوزيع الحجمي للجزيئات.
كما حرصت الباحثة على اختبار التوصيل الحراري للمادة المبتكرة وكثافتها؛ بهدف تقييم فاعليتها في العزل الحراري من أجل رفع كفاءة الطاقة في المباني.
2- جدران نباتية بأشكال مبهرة:
توصلت المتخصصة في الحلول البيئية للبناء المستدام والزراعة العمرانية الدكتورة فلة بوطي، إلى استعمال تقنيات حديثة ومواد مبتكرة، من أجل تصميم وتطوير جدران نباتية بأقل تكلفة ممكنة، في محاولة لجعل الحلول البيئية أكثر سهولة وأقل تكلفة، ليكون بحثها من أبرز الأبحاث الجزائرية في قطاع الطاقة.
وقالت -في تصريحات خاصة إلى منصة الطاقة المتخصصة- إنها اعتمدت على استعمال البقايا العضوية من الزراعات المحلية بعد تحسين خصائصها، لتكون دعامة طبيعية للنباتات المستعملة في هذه الجدران، موضحة أن هذا النهج المستدام يساعد في تقليل النفايات الزراعية، واستغلالها بدلًا من التخلص منها.
وأضافت أن هذه الجدران النباتية تتسم بأثر بيئي متعدد الأبعاد، مشيرة إلى أنها تُسهم في خفض الانبعاثات الكربونية عبر امتصاص ثاني أكسيد الكربون، وتقليل التأثير الحراري في المدن، وتوفير مناخ محلي أكثر برودة وانتعاشًا.
وتابعت أن هذه الجدران تؤدي دورًا كبيرًا -كذلك- في دعم الاستدامة المائية، نظرًا إلى كونها تركّز على ترشيد استهلاك المياه؛ ما يجعلها حلًا فاعلًا في المناطق ذات الموارد المائية المحدودة.
واستطردت قائلة إن هذه الجدران تُسهم في تعزيز العمران الأخضر؛ لأن تصميمها يعتمد على دمج المساحات الخضراء بشكل عمودي في المباني والهياكل؛ مما يحسّن جودة الحياة في المدن، ويزيد من التنوع البيولوجي في المناطق الحضرية.
3- قياس الإشعاع الشمسي في مدينة أدرار:
أجرى رئيس معمل أبحاث الشمس لدى المعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية في مرصد حلوان الدكتور ياسر عبدالهادي، بالتعاون مع فريق بحثي جزائري، دراسة تعتمد على تطبيق بعض تقنيات الذكاء الاصطناعي للتنبّؤ بقيم الإشعاع الشمسي في مدينة أدرار بالجزائر.
وقال الدكتور ياسر عبدالهادي -في تصريحاته إلى منصة الطاقة المتخصصة- إن هذه الدراسة تهدف إلى تقديم توصيات تُسهم في التوسع بتركيب منظومات الطاقة الشمسية في الجزائر، ولا سيما في مدن الجنوب الجزائري.
وأضاف أن فكرة البحث اعتمدت على إجراء عملية النمذجة الحاسوبية لقيم الإشعاع الشمسي، مشيرًا إلى أن هذه النمذجة قد تُتخذ بديلًا عن القياسات المكانية المباشرة في أحيان كثيرة، نظرًا إلى صعوبة إجراء الأخيرة، والتكلفة المرتفعة لإنشاء محطات رصد في مساحات واسعة وبعيدة.
وتابع أن الدراسة قد اعتمدت على تناول النماذج قيد التقييم، التي اشتملت على آلة التعلم المتطرفة (ELM)، وآلة التعلم المتطرفة الموزونة (WELM)، وآلة التعلم المتطرفة ذاتية التكيف (SA-ELM).
وأوضح أن هذه النماذج تمثّل شبكات عصبية تُغذَّى بقيم العديد من المؤثرات والعوامل في طبقة واحدة أو طبقات متعددة.
واستطرد قائلًا إن الفريق البحثي قد وقع اختياره على منطقة الصحراء الكبرى لإجراء الدراسة، نظرًا إلى كونها أكبر صحراء حارة في العالم، إذ تتجاوز مساحتها 9 ملايين كيلومتر مربع، وتغطي نحو 31% من قارة أفريقيا، وتمتد على مساحات شاسعة من الجزائر ومصر وليبيا وتشاد ومالي وموريتانيا والمغرب والنيجر والسودان وتونس.
كما وقع اختيار الفريق البحثي على الصحراء الكبرى، نظرًا إلى تمتعها بإمكانات هائلة من الطاقة الشمسية، بالإضافة إلى الجفاف الشديد مع متوسط هطول أمطار سنوي أقل من 4 بوصات في بعض أنحائها.
ونجحت بعض المؤشرات الإحصائية -التي طبّقها الفريق البحثي- في تقييم أداء تقنيات الذكاء الاصطناعي المستعملة التي بدورها أثبتت كفاءة هذه التقنيات في التنبّؤ بقيم الإشعاع الشمسي بنسبة كبيرة جدًا.
ورجحت النتائج إمكان التوسع في تركيب منظومات الطاقة الشمسية في الجزائر على نطاق أوسع، ضمن خطة طموحة لاستغلال منطقة الصحراء الكبرى، لتوفير إمدادات الطاقة إلى دول كثيرة في حوض البحر الأبيض المتوسط وغيرها.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..