فسّرت الفرق البرلمانية المصطفة في المعارضة بمجلس النواب تصويتها بالرفض على مشروع قانون المالية لسنة 2025، خلال الجلسة العامة التي انعقدت أمس للمصادقة عليه في إطار قراءة ثانية، بكون المشروع “لم يأت بأي جديد” في ما يخص مسألة التشغيل، و”عدم” تقديمه إجابات مالية لفائدة الطبقة الفقيرة وفئة المتقاعدين، فضلا عن “عدم إتيانه كذلك بحلول لإشكاليات منظومة التعليم”.
وقالت الفرق النيابية المعارضة إن حذف رسوم الاستيراد على عدد من المواد الغذائية، “رغم النظر إليه بحسن نية”، إلا أنه “لا يبدو أي أفق لتمكنه من تخفيض الأسعار”، ما “كان يفرض أن يأتي المشروع بتوجيه الدعم للفلاحين مباشرة”، معتبرة أن المشروع “لا يحمل تدابير كافية كفيلة بتقوية النسيج المقاولاتي والنهوض بالمقاولات الصغرى وتحقيق السيادة الاقتصادية”.
إدريس السنتيسي، رئيس الفريق الحركي بمجلس النواب، قال إن فريقه “صوّت بالرفض على مشروع قانون المالية لسنة 2025 لأسباب عدة”، ذكر منها “خلو هذه الميزانية من البرنامج الحكومي والتزاماته وكذا النموذج التنموي، وعدم إتيانها بأي جديد في موضوع التشغيل”، مضيفا أن “مليون منصب شغل (الذي وعدت به الحكومة) سوف نناقشه في 2026، ولكن يسجل أن نسبة تنفيذ المناصب المالية المحددة في ميزانيات السنوات الثلاث الماضية ضئيلة جدا رغم أن أرقامها ضعيفة من الأساس”.
وأضاف السنتيسي أن “الحكومة صرحت بـ14 مليار درهم في موضوع التشغيل، ضمنها 12 مليارا خاصة بتشجيع استثمار المقاولات الكبرى، و2 مليار درهم فقط للمقاولات الصغرى”، مغتنما الفرصة “لطرح السؤال حول موعد إخراج المرسوم المتعلق بهذه الأخيرة”، موردا أن فريقه “مستعد للتعاون لإخراجه وجميع المراسيم العالقة”.
وسجّل رئيس فريق “السنبلة” أن “مشروع قانون المالية لم يقدم أجوبة لفائدة فئة المتقاعدين؛ فمتقاعد الضمان الاجتماعي إذا كان لديه في المعاش 1000 درهم، تظل 500 درهم لزوجته فقط، عدا أن متقاعد الوظيفة العمومية بدوره لم يوجد له حل حيث مازال الحد الأدنى لمعاشه 1500 درهم”، مذكرا بأن “الفريق الحركي سبق أن تقدم بمقترح قانون لرفع هذا الحد على الأقل إلى 2500؛ فمصاريف المعيشة اليومية مرتفعة”.
وقال إن “الإجراءات المرتبطة بالضريبة على الدخل التي أقرها المشروع سترفع القدرة الشرائية للطبقة المتوسطة، ولذلك هي مثمنة، ولكن الطبقة الكادحة والمواطنين البسطاء لم يستفيدوا منها شيئا”.
وأضاف أن رفض فريقه لهذه الميزانية راجع أيضا إلى كونها لم “تأت بحلول لمنظومة التعليم”، متسائلا في هذا الشأن: “ألم يحن الوقت لتدريس المواد العلمية بالإنجليزية والفرنسية؟”، معتبرا أنه “بالنسبة لإصلاح التعليم، لا يوجد سبب كاف لكي نبقى دائما في حلقة مفرغة؛ فالأستاذ هو المتحكم في العملية التعليمية وإذا لم يتم التصالح معه فلا يمكن أن يعطي النتيجة؛ لأن تكوينه لم يعد في المستوى الرفيع”، بتعبيره.
وتابع السنتيسي بأن نواب السنبلة “لا يعتبرون كل الإجراءات الواردة في قانون المالية سلبية”، لكنه يرى أنها “لن تواجه ضعف القدرة الشرائية للمواطنين”، مضيفا أن “كل ما كنا نصدره بتنا نستورده؛ والاعفاءات الضريبية لاستيراد عدد من المواد الغذائية التي نرى أنها ليست هدية وإنما للتخفيف من حدة الأسعار، لن تكون ذات جدوى”، خالصا إلى أن “الدعم يجب أن يوجه كاملا للكسابة والفلاحين الصغار حتى يضاعفوا إنتاجهم، ويجب أن تكون هناك عناية كبيرة للرفع من الإنتاج”.
أما أحمد العبادي، عضو الفريق النيابي لحزب التقدم والاشتراكية، فشدد على أن فريقه “لم يصوت بالرفض على مشروع قانون المالية لسنة 2025 لأنه خال من الإيجابيات؛ فهي موجودة والحكومة تشتغل”، بل “يجب أن نتساءل بكل صدق وصراحة بعيدا عن التموقعات السياسية، معارضة أم أغلبية: هل تدابير مشروع قانون مالية 2025 ترقى إلى مستوى ما يعيشه المغاربة من تحديات؟”.
وأجاب العبادي هذا التساؤل بأن “الإيجابيات في المشروع لا تؤثر في مضمونه العام ولا تنسجم مع التوجهات العامة المعلنة، وهو لا يعكس الإجابات اللازمة على العديد من القضايا الراهنة وانتظارات المواطنين وتطلعات المقاولات المغربية”، مردفا بأن المشروع “يفتقر إلى الإبداع اللازم للحلول والبدائل، ولا يحمل تدابير كافية للمعضلات الاجتماعية والاقتصادية، خاصة في مجالات التشغيل وغلاء الأسعار وارتفاع كلفة المعيشة وفي ما يتعلق بتقوية النسيج المقاولاتي وتعزيز السيادة الاقتصادية”.
وشدد النائب عن فريق “الكتاب” على أن “هذا المشروع غيّب إجراءات وتدابير الإصلاحات الهيكلية التي تحتاجها البلاد وأساسا إصلاح منظومة التقاعد، والإنصاف المجالي، والعدالة الضريبية، وإدماج القطاع غير المهيكل في الاقتصاد الرسمي”، مفيدا بأنه وزملاءه صوتوا بالرفض “كذلك انطلاقا من اختلاف الفريق مع الحكومة حول فرضيات المشروع التي تبدو غير واقعية ومفرطة التفاؤل”.
وذكر العبادي أن “هاجس البطالة يغيب عن مشروع قانون المالية لسنة 2025، رغم أنه أصبح كابوسا مقلقا بالمغرب، وهو ما تثبته الأرقام المرتفعة منذ عقود وفق تقارير رسمية”، مستحضرا “إشكالية بنيوية في المشروع تتجلى في التفاوت بين حجم الاستثمارات العمومية وفرص الشغل المحدثة والولوج المنصف والعادل بمختلف المجالات الترابية للخدمة العمومية الأساسية”.
وقال النائب ذاته: “عند تصفح قانون المالية، نقف بصعوبة على اهتمام الحكومة بالأبعاد الحقوقية والديمقراطية وكأنها أمر جد ثانوي، علما أن للديمقراطية ارتباطا وثيقا بقانون المالية شكلا ومضمونا”.
وأضاف: “حين الحديث عن الثقة، وتحرير الطاقات، والتعبئة الاجتماعية وجاذبية الاستثمار وثقة المستثمرين، وحكامة المؤسسات واستقرارها، وثقة المؤسسات المالية والدولية، ومعايير اختيار المغرب لاحتضان تظاهرات دولية كيفما كان نوعها، والسلم الاجتماعي وثقة الشباب في مؤسسات بلدهم، فإن كل ذلك مرتبط بتلك الأبعاد الغائبة تماما عن أجندة الحكومة”.